سورة الفرقان - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله تعالى: {لولا نُزِّل عليه القرآنُ جُمْلَةً واحدةً} أي: كما أُنزلت التوراةُ والإِنجيل والزَّبور، فقال الله عز وجل: {كذلكَ} أي: أنزلناه كذلك متفرِّقاً، لأن معنى ما قالوا: لِمَ نُزِّل عليه متفرِّقاً؟ فقيل: إِنما أنزلناه كذلك {لنُثَبِّتَ به فؤادكَ} أي: لنُقَوِّي به قلبَك فتزداد بصيرة، وذلك أنه كان يأتيه الوحي في كل أمر وحادثة، فكان أقوى لقلبه وأنور لبصيرته وأبعد لاستيحاشه، {ورتَّلْناه ترتيلاً} أي: أنزلناه على الترتيل، وهو التمكُّث الذي يُضادُّ العَجَلة.
قوله تعالى: {ولا يأتونكَ} يعني المشركين {بِمَثَل} يضربونه لك في مخاصمتك وإِبطال أمرك {إِلا جئناك بالحقّ} أي: بالذي هو الحقّ لتَرُدَّ به كيدهم {وأحسنَ تفسيراً} من مَثَلهم؛ والتفسير: البيان والكشف.
قال مقاتل: ثم أخبر بمستقرِّهم في الآخرة، فقال: {الذين يحشرون على وجوههم} وذلك أن كفار مكة قالوا: إِن محمداً وأصحابه شُرُّ خلق الله، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {أولئك شَرٌّ مكاناً} أي: منزلاً ومصيراً {وأضلُّ سبيلاً} ديناً وطريقاً من المؤمنين.


قوله تعالى: {اذهبا إِلى القوم الذين كذَّبوا بآياتنا}.
إِن قيل: إِنما عاينوا الآيات بعد وجود الرسالة، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟
فالجواب: أنهم كانوا مكذِّبين أنبياءَ الله وكُتُبَه المتقدِّمة، ومن كذَّب نبيّاً فقد كذَّب سائر الأنبياء، ولهذا قال: {وقومَ نُوح لمَّا كذَّبوا الرُسُل}، وقال الزجاج: يجوز ان يكون المرادَ به نوحٌ وحده، وقد ذُكر بلفظ الجنس، كما يقال فلان يركب الدوابّ، وإِن لم يركب إِلا دابّة واحدة؛ وقد شرحنا هذا في [هود: 59] عند قوله: {وعَصَوا رُسُلَه} وقد سبق معنى التدمير [الاعراف: 137].
قوله تعالى: {وأصحابَ الرَّسِّ} في الرَّسِّ ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها بئر كانت تسمى الرَّسِّ، قاله ابن عباس في رواية العوفي. وقال في رواية عكرمة: هي بئر بأذربيجان. وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة. وقال السدي: بئر بأنطاكية.
والثاني: أن الرَّسَّ قرية من قرى اليمامة، قاله قتادة.
والثالث: أنها المَعْدِن، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة.
وفي تسميتها بالرَّسِّ قولان:
أحدهما: أنهم رَسُّوا نبيَّهم في البئر، قاله عكرمة. قال الزجاج: رَسُّوه، أي دَسُّوه فيها.
والثاني: أن كل رَكِيَّة لم تطو فهي رَسٌّ، قاله ابن قتيبة.
واختلفوا في أصحاب الرَّسِّ على خمسة أقوال.
أحدها: أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة، فبعث الله تعالى إِليهم نبيّاً من ولد يهوذا بن يعقوب، فحفروا له بئراً وألقَوه فيها، فهلكوا، قاله عليّ عليه السلام.
والثاني: أنهم قوم كان لهم نبيّ يقال له: حنظلة بن صفوان، فقتلوا نبيَّهم فأهلكهم الله، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها، وكانت لهم مواشٍ، وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إِليهم شُعيباً، فتمادَوا في طغيانهم، فانهارت البئر، فخُسف بهم وبمنازلهم، قاله وهب بن منبه.
والرابع: أنهم الذين قتلوا حبيباً النجار، قتلوه في بئر لهم، وهو الذي قال: {يا قوم اتَّبِعُوا المرسَلين} [يس: 20]، قاله السدي.
والخامس: أنهم قوم قتلوا نبيَّهم وأكلوه، وأولُ من عمل السحر نساؤهم، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {وقُرُوناً} المعنى: وأهلكنا قروناً {بين ذلكَ كثيراً} أي: بين عاد وأصحاب الرَّسِّ، وقد سبق بيان القَرْن [الانعام: 6] وفي هذه القصص تهديد لقريش.
قوله تعالى: {وكُلاًّ ضَرَبْنَا له الأمثال} أي: أعذرنا إِليه بالموعظة وإِقامة الحجَّة {وكُلاًّ تَبَّرْنَا} قال الزجاج: التَّتبير: التدمير، وكل شئ كسرته وفتّتّه فقد تبَّرته، وكُسارته: التِّبر، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج: التِّبر، وكذلك تِبر الذهب.


قوله تعالى: {ولقد أَتواْ} يعني كفار مكة {على القرية التي أُمطرت مَطر السّوء} يعني قرية قوم لوط التي رُميتْ بالحجارة، {أفَلم يكونوا يَرَونها} في أسفارهم فيعتبروا؟! ثم أخبر بالذي جرَّأهم على التكذيب، فقال: {بل كانوا لا يَرْجُون نُشوراً} أي: لا يخافون بعثاً، هذا قول المفسرين. وقال الزجاج: الذي عليه أهل اللغة أن الرجاء ليس بمعنى الخوف، وإِنما المعنى: بل كانوا لا يرجون ثواب عمل الخير، فركبوا المعاصي.
قوله تعالى: {وإِذا رأوكَ إِن يتَّخذونكَ} أي: ما يتخذونك {إِلا هُزُواً} أي: مهزوءاً به. ثم ذكر ما يقولون من الاستهزاء {أهذا الذي بَعَثَ اللّهُ رسولاً إِن كاد ليُضِلُّنَا عن آلهتنا} أي: ليصرفنا عن عبادة آلهتنا {لولا أن صَبَرْنَا عليها} أي: على عبادتها؛ قال الله تعالى: {وسوف يعلمون حين يَرَوْن العذابَ} في الآخرة {مَنْ أَضَلُّ} أي: مَنْ أَخطأُ طريقاً عن الهدى، أهم، أم المؤمنون.
ثم عجَّب نبيَّه من جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إِليه الهوى، فقال: {أرأيتَ من اتخذ إِلهه هواه} قال ابن عباس: كان أحدهم يعبد الحجر، فاذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخَر. وقال قتادة: هو الكافر لا يهوى شيئاً إِلا ركبه. وقال ابن قتيبة: المعنى: يتَّبع هواه ويدع الحقَّ، فهو له كالإِله.
قوله تعالى: {أفأنتَ تكونُ عليه وكيلاً} أي: حفيظا يحفظه من اتِّباع هواه. وزعم الكلبي أن هذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله تعالى: {أم تَحْسَبُ أنَّ أكثرهم يَسمعون} يعني أهل مكة؛ والمراد: يسمعون سماع طالب الإِفهام {أو يعقلون} ما يعاينون من الحُجج والأعلام {إِن هم إِلاّ كالأنعام} وفي وجه تشبيههم بالأنعام قولان:
أحدهما: أن الأنعام تسمع الصوت ولا تفقه القول.
والثاني: أنه ليس لها همٌّ إِلا المأكل والمشرب.
قوله تعالى: {بل هم أَضَلُّ سبيلاً} لأن البهائم تهتدي لمراعيها وتنقاد لأربابها وتُقبل على المحسِن إِليها، وهم على خلاف ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7